أطلسيات: شهادات من خلف الستار

من تلابيب الحلم

شهادات نساء ضحايا العنف السياسي

فاطنة البيه

يوسف مداد

كان السيد ويحمان أول من حفر ذاكرة إحدى هؤلاء النساء وقد مد بيننا وبين هذه المنطقة وضحاياها جسور التواصل البحث ووجدنا لدى السيد أحمد بيضى، وهو ابن المنطقة وذاكرتها الصحفية، لقد فتح لنا بيته ومنحنا الغالي من وقته، وسهل لقاءنا بهؤلاء النساء وهو صاحب الاستمارة الحقوقية بشأنهن.

نربد كذلك أن نسجل أنه لولا الأستاذة فاطمة المرنيسي ودعمها المعنوي و التقني الذي مكننا من الكتابة في جو اكتشفنا فيه امرأة رائعة وباحثة متمكنة وإنسانة طيبة ومتفهمة، ولولاها لما عرف الكتاب طريقه للوجود.

تــــــوطــــئــــــة

يحفل تاريخ المغرب، وخصوصا الفترة المعاصرة منه يطوي في ثناياه من الملابسات و الجزئيات المثناثرة التي تنتظر تظافر جهود جهات باحثة من مختلف المشارب و الحقول العلمية كي تعيد نسج خيوطها، و التي، بعيدا عن وهم كشف كنه حقيقة ما، يكون رهانها استحضار بعض اللحظات التاريخية التي شكلت روافد أساسية في معين البحث المضني عن تشكل الوعي المتحضر بضرورة الانفتاح على الحوار وتدبير الاختلاف في إطار عقلانية حداثية تؤسس لقواعد الشرعية على مبادئ حقوقية إنسانية متجهة نحو المستقبل بكل ثقة و تفاؤل.

عاش المغرب خلال عقود الستينات و السبعينات فترات عصيبة تمثلت أساسا في سيادة نهج العنف و العنف المباشر ضد كل القيم الإنسانية النبيلة بلغ درجات الاستبداد المطلق بالسلطة و التنكيل بكل معارضة بمختلف أشكال الترهيب والإقصاء إلى حد الإبادة بالتصفية الجسدية لكل من تُسوِّل له قناعته عدم الخنوع لأمر الواقع المحتوم.

ولعل من شأن التعرية عن علاقات التسلط والقهر والعنف التي شهدتها إحدى حقب تاريخ المغرب القريب العهد، في إطار إشكالية العنف و العنف المضاد، أن يساعد على الكشف عن أهم سمات بنيات التقهقر السياسي والاجتماعي التي طبعت هذا الجزء من الماضي و التي شكلت أحد العوائق الأساسية أمام تحرر وتنمية بلادنا.

كذلك من شأن تشخيص السمات العامة لهذا النهج المبني على الإقصاء الكلِّي لكل صوت معارض، أن يكشف النقاب ،ليس فقط عن وجهه الأسود وإنما أيضا عن دروس ثمينة يستوجب استخلاصها من خلال مساءلة ضحايا هذا الماضي عن حاضرهم، في أفق استجلاء السرّ في تخلصهم من عقدته، و إلى أي حد استطاعوا بعد كل هذا الانفصال والقطيعة،أن يحققوا المصالحة من جديد مع ذواتهم و مجتمعهم بالاندماج الإيجابي في خضم الحياة الفعلية وكلهم أمل نحو المستقبل.,

مساهمة هذا الكتاب في هذا المجال تحذوها أيضا الرغبة في إزاحة اللثام المزيَّف عن حضور المرأة المغربية ضمن هذا الماضي من خلال حكاية مجموعة من النساء، شكل قطب وحدتهن انتماهن لقبيلة آيت خويا بأقلال ناحية مدينة خنيفرة، قبل أن يوحدهن مصير عسير تمثَّل في الاختطاف و التعذيب الرهيب و السجن، فقط لكونهن صادفن أن كُنَّ زوجات و بنات لرجال حملوا السلاح كخيار جذري من أجل تغيير الوضع.

نساء الأمل الجديد

من بين شخصيات هذا الجيل الذي عاش مرارة الحقبة السوداء التي جرفتها دوامة العنف في الستينات و السبعينات من تاريخنا، نساء طالهن الاختفاء القسري وهو أبشع وجوه نفي المواطنة. نساء انتفت حريتهن وداس الجلاد على كرامتهن بأبشع الصور، لا لشيء إلا لكونهن كنَّ زوجات و بنات وقريبات، لرجال آمنوا بمبدأ العنف المضاد لقهر السلطة واعتنقوا فكرة الكفاح المسلح لمواجهته؛ فوجدن أنفسهن، من حيث لا يدرين، عرضة للقهر والإذلال.

نساء عشن الاختطاف والتعذيب و السجن بكل أشكاله البشعة، وذُقن ويلاته وعانَين مضايقة السلطة ومرارة إقصاء المجتمع واتهامهن بالخيانة، لمدة بدت لهن الدهر بأكمله. فهل تنتفي ذاكرتهن للأبد ؟ هل ينمحي وشْم الجسد ؟ كل ما حدث هناك في العتمة ؟ هل يكون الزمن فعلا طبيب القلوب ؟ كيف السبيل إلى إنارة العتمة ؟ هذا الماضي الذي يغزو الجسد في كتابة ما لا يمكن نسيانه ؟ كيف يصبح هذا الماضي صفحة من الصفحات التاريخية المقروءة ؟

فإذا كنا نؤمن بأن المستقبل يولد من هذا الحاضر بالطريقة التي ننخرط بها في عملية التغيير ولا يأتي من ماض، يتحول في” الأزمات إلى سيد الأيام”. وإذا كنا نؤمن بأن هذه التجربة لم تكتب بعد إلا بالجسد، بعد حرمانها من حق حرية التعبير، لتخُط على جسمها النحيف، محنة للديمقراطية، فقد آن الأوان لمعادلة الفعل بالقول المترابط معه في سياق تلك التجربة، نمضي فننضجها كي تنتج الأدب الجديد .

لن ينسى الكثيرون ممن حضروا تلك الأمسية التي تدخلت خلالها فاظمة أمزيان لتروي خلالها بلغتها الأمازيغية وصوتها الدافئ القوي عن معاناتها وما لاقته على يد الجلاد المتعجرف.لسان حالها يقول : لقد افتقدنا في مرحلة ما كل يمكن أن نستدل به عن أنفسنا. بطاقة الهوية، شهادة الميلاد، لا أهل لنا ولا وطن . انْمحَينا من الخريطة. جُرّدنا من كل شيء واستضفنا في المجال الحالك، فأتت فوهات الضوء لتجعلنا نستدرك وندارك ما قد يُستذكر . نحن ذاكرة مرحلة، بعد أن كنا شاهديها والذكرى بداية السؤال، سبيل الفهم، بنت الإحساس. فلنتلقَّف تلك الشظايا .

لهذا، فاستقراء تاريخ المغرب هو استقراء أيضا لتاريخ نساء ساهمن في وضع اللبنات الأولى للعمل الديمقراطي وحرية الفكر. إنهن نساء ساهمن بطريقة مباشرة في العمل السياسي في العلن وفي السرّ و كُنَّ ضحايا القمع السياسي، بسبب تضامنهن مع أخ أو زوج أو أب مناضل. وحديثنا عن النساء بصفة خاصة لا يعني حصرا أو تمييزا من أي نوع، وإنما حقيقة غائبة عن الأذهان بسبب غلبة صمت صاحباتها أولاً، وبسبب التهميش الذي يطال ما تتسم به النساء من شجاعة في حالات مثل هذه. إنه طوق جديد ينضاف إلى المرأة : الاعتقال السياسي، وهو مظهر من مظاهر دخول المرأة الحلبة الأمامية للتاريخ وبشكل مباشر .

لقد بدأنا نسمع شذرات من تلك الحكاية -كما تقول كورين كومار تلك المرأة الرائعة في حديثها عن خروج النساء عن دائرة الصمت – بدأنا نسمع شذرات من الحكاية تتردد من خلال الشِّفاه المشقوقة من بين ثنايا الصمت .

إن تجربة فاضمة أمزيان ومجموعة النساء التي سنتعرف على شهادتهن، ليُعدّ برهانا صارخا على ما كان يُرتكب من انتهاك ظالم في حق المرأة، كُنَّ يتعرضن للتعذيب والضرب على مرأى من أعين أطفالهن، بل و يُعتدى عليهن في محاولة لدفعهن إلى الانهيار أثناء الاستنطاق.

وإذا كانت الكتابة وسيلة من وسائل التصالح مع الماضي، فإن الشهادة الشفوية وشم نستبيح كتابته، ليس بهاجس التدوين أو النسخ وإنما برغبة إبراز جمالية الوشم المرسوم فوق تجاعيد الجسد المُثخَن بجراح الماضي.

وإن كنا نعتقد أن قصة معاناة هؤلاء النسوة أكبر من أن تكون حدثا عابرا، فلأن تجربتهن ترتبط بأوضاع جرفتهن لهذا المآل،وبالتالي حتى لا يصبحن مجرد ضحايا يرثى على مصيرهن، فقد برهن جزء منهن على قدرتهن على الانخراط بالإيجاب في صنع الأمل بأن لا يتكرر هذا يوما ما.

هذه الأمنية الغالية لن تتحقق إلا بالقدر الذي نستطيع به العمل على فهم الخلفيات الحقيقية لما وقع واستيعاب أسبابه الجوهرية من أجل استخلاص كل الدروس التي تمليها علينا قراءة هذه التجربة.

ونستحضر هنا ما قاله الأستاذ الهراس عن مجتمع جبالة، من أن فهم الأحداث و الظواهر الاجتماعية التي تحدد الحاضر يفرض ليس فقط ملاحظة الوضع الحالي و تطوره، وإنما أيضا العودة إلى الوراء، اعتبارا من أن التاريخ هو الحركة نفسها التي بواسطتها تتمظهر طبيعة أي مجتمع وتعبر عن نفسها، فإن محاولة استيعاب السياق التاريخي الذي حكم تجربة هؤلاء النساء يتطلب العودة للأحداث التي اعتُقلن على إثرها و محاولة إبراز معالم الإطار التاريخي و السياسي الذي وقعت فيه.

عن أحداث ماررس 1973

عاش المغرب خلال شهر مارس من سنة 1973، أحداثاً صدامية عنيفة بين السلطة المركزية التي جنَّدت كل قواتها النظامية عبر العديد من مناطق التراب الوطني، وبين مجموعات مسلحة كان لها مشروع خلق”بؤرٍ ثورية” تشكل’ شرارة لثورة شعبية عارمة”. وقد تولَّدت عن هذه الأحداث حالة استنفار عامة تجندت فيها القوات النظامية من درك وجيش و بوليس بشتى أنواعه لمواجهة مجموعات مسلحة، دخلت المغرب بغرض “خلق جو من التوتر والهلع في عدد من مناطق المغرب”على حسب التعبير الرسمي.

هذه الحملة واكبتها وسائل الإعلام الرسمية، بسلسلة من البلاغات و التعليقات تذهب في اتجاه التشهير ب”الخونة” وحث المواطنين على إدانة الأحداث بالالتفاف حول الملك.

انطلقت شرارة الأحداث فجر يوم الثالث من شهر مارس، عندما حاول كوماندو مسلح، الاستيلاء على ذخيرة مركز القوات المساعدة بمولاي بوعزة، ناحية خنيفرة. وقد أسفر الهجوم على قتل أحد حراس المركز عن طريق الخطأ، مما دفع بعناصر الكوماندو إلى الهرب واللجوء إلى الجبل. في نفس الوقت عاشت مدينة خنيفرة أحداث انفجار قنبلتين يدويتين بمحطتين للبنزين، فيما وقعت اصطدامات بين كوماندو مسلَّح وقوات تابعة للجيش الملكي بمنطقة كولميمة، جنوب المغرب.

في البداية انفردت جريدة لوموند ليوم 7 مارس 1973 بالإشارة للأحداث التي وقعت بالبيضاء : أحدهما يوم السبت 3 مارس عند ما تمَّ اكتشاف لغم متفجِّر تحت سيارة تابعة للقنصلية العامة للولايات المتحدة الأمريكية بالبيضاء، والتي كانت في حالة وقوف أمام مبنى القنصلية؛ والثاني هو اكتشاف لغم آخر يوم 6 مارس بمراحيض المركز الثقافي الأمريكي. وتُورِد الجريدة، في توضيح لها، أن اللغمين تم اكتشافهما في الوقت المناسب حيث تمت استعادتهما و تفجيرهما في مكان خال. وسيُعرف فيما بعد أن العمليتين من تدبير جماعة دهكون.

وقتها كان موقف الجهات الرسمية هو لزوم الصمت اتجاه ما عرف على العموم، بأحداث مولاي بوعزة، وكان يجب انتظار يوم الأربعاء 07 مارس لتطلع علينا جريدة لوماتان بافتتاحية تكذب الأخبار التي روجتها الوكالات الأجنبية بخصوص الموضوع. و مما جاء في الافتتاحية : “في آخر يوم الاثنين (وقعت الأحداث يوم السبت) رددت بعض الإذاعات الأجنبية وبدون أي تمحيص، بعض التأكيدات أو الافتراضات الصادرة عن بعض الوكالات التي، عن جهل أو عن سوء نية، روَّجت صورة عن الحالة في المغرب لا يعادل غرورها إلا غباوة ادعاءات الأحداث المسرودة.”. لتعود نفس الجريدة في عدد يوم 09 مارس لنشر أول رد فعل رسمي اتجاه أحداث 3 مارس، من خلال بلاغ لوزارة الداخلية أذاعته وزارة الأنباء و الذي جاء فيه (نقلا عن لوماتان ) :”منذ بضعة أيام قامت مجموعة من المُخرِّبين يقدرون حسب أولى عناصر التحقيق بثلاثة أفراد بالتسرب من ناحية مكناس إلى مركز مولاي بوعزة الذي كان محروسا من طرف فردين من المخازنية.

وقد فتح أحدهما الباب الرئيسي للتعرف على من يحوم حول المركز فكان مصيره القتل بواسطة الرصاص في حين استطاع صديقه إعلام السلطات المعنية، في نفس الوقت تم التبليغ عن مجموعة مسلحة مكونة من ثلاثة أفراد في منطقة كولميمة” .

عاشت مختلف مناطق المغرب وخصوصا منها جبال الأطلس و منطقة كولميمة و الشمال الشرقي و غيرها حملات تمشيطية واسعة بالجنود والدرك وكل أنواع الشرطة كما تمت تعبئة القوات الاحتياطية من أجل الدفع بالمواطنين للمساهمة في البحث عن المسلحين الفارين إلى الجبال، وأقيمت الحواجز في أهم مفترقات الطرق الرئيسية و الثانوية عبر المغرب لاعتقال كل مشتبه فيه. واستمرت المواجهات في بعض المناطق بين المسلحين و القوات النظامية لعدة أيام.

توالت البلاغات على مدى شهر مارس حيث بلغت في عددها الإجمالي خمسة، تسوق تطورات الأحداث و التحقيق والاعتقالات كما كانت تحث المواطنين على المشاركة في القضاء على الخونة. وبموازاة هذه البلاغات كانت الحملة الإعلامية تؤكد على ضرورة تحقيق إجماع وطني حول الوطن والعرش. إجماع يقصي الخونة و أنصار التمرد .

وفي إطار تطويق الأحداث”، وعلى اعتبار أن جل العناصر المتمردة، تنحدر من جيش التحرير الذي قاوم الاستعمار الفرنسي. فقد أبرزت وسائل الإعلام بشكل بارز حدث حفل العشاء الذي نظمه العاهل المغربي يوم 26 مارس على شرف قدماء المحاربين و جيش التحرير، وألقى فيهم كلمة ندَّد فيها بـ”الخونة الذين مدُّوا يدهم للأجنبي” من أجل قلب المؤسسة الملكية. و سيعقب هذا الحفل، الذي حضره كذلك علال الفاسي والسيد أحمد مجيد بنجلون، ( وزير الأشغال العمومية)،جمع عام لهيئة أعضاء قدماء المقاومين و جيش التحرير ترأسه الوزير الأول أحمد عصمان بحضور عدد من الوزراء من بينهم باحنيني وزير الدولة و محمد بنهيما وزير الداخلية و وغيرهم. هذا الأخير الذي أشرف بنفسه على تنصيب الكولونيل الحمو أرزاز (والذي شغل منصب قائد الدرك الملكي بعد مقتل بو الحمص في انقلاب يوليوز)كرئيس لدائرة خنيفرة ,

في هذا الخضم كان المغرب يعرف انطلاق الحملة الضارية ضد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتباره المسؤول الأول عن الأحداث ليصدر بيان بالمنع في حق ما كان يسمى آنذاك بجناح الرباط، ولتشمله حملة من الاعتقالات مست قيادته، كما مست صفوف قواعده. ففي بيان مطول أذاعته وزارة الأنباء، أوردت الحكومة نتائج البحث التفصيلي بخصوص أحداث 3 مارس التي كشفت عن وجود مؤامرة حقيقية تورط خلالها ” مسؤولون ومناضلون و أعضاء تنظيم سياسي يتمتع بالشرعية”. كما اتهمت ما كانت تسميه بـ”جماعة الرباط” بكونها “مارست التغطية على ممارسات سرية متآمرة و غير شرعية”، فقررت الحكومة في يوم 2 أبريل منع حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية جناح الرباط.

في تعليقها على ما عاشه المغرب من أحداث مؤلمة، كتبت “حوليات المغرب “ما يلي: “لم تفلح تبعات أحداث 3 مارس في تهدئة التوترات ولا في توفير تنازلات من شأنها إخراج البلد من الباب المسدود والدفع بالفاعلين السياسيين للعودة ضمن قواعد اللعبة الديموقراطية. بل كانت على العكس، إشارة واضحة في اتجاه التشديد من طرف السلطة مادام حزب بكامله قد وجد نفسه خارج الساحة السياسية نتيجة التورط الحقيقي أو المفترض لبعض العناصر المنضوية أو المحسوبة عليه، وأيضا لعملية التضخيم التي جعلت من أحداث ثانوية “مناورة” “ستتابعها العدالة”.

وفعلا سيتحرك الملف القضائي ابتداء من تاريخ 25 جوان من نفس السنة، حيث ستنطلق محاكمة القنيطرة لتصدر مجموعة من الأحكام في الثلاثين من شهر غشت، “عكست خطورتها، تشديد السلطة ورغبتها الأكيدة في قمع كل معارضة ترتكز إلى العنف: ستة عشر حكم إعدام من بين 25 خمس و عشرين طلبتها النيابة في حق مسلحي الأطلس، و عنصرين من المنظمة السرية و المسؤول عن الخلايا الثورية بالمغرب، عمر دهكون الذي سبق الحكم عليه غيابيا بعشرين سنة في محاكمة مراكش 1971. كما أصدرت خمسة عشر حكماً بالسجن المؤبد من بين ثلاثين حكما طالبت بها النيابة و ست وخمسون حكما بمدد مختلفة ضد الآخرين المتابعين بتهم الهجوم بالقنابل و المشاركة، ثم براءة 72اثنين وسبعين متهما،(..).

يومين بعد إصدار الحكم، تم اختطاف مجموعة من الذين تمتعوا بالبراءة،وأسبوعين بعد ذلك سيتبين أنهم “اعتقلوا من جديد في إطار البحث التمهيدي بخصوص مخالفات أخرى.(…) وبتاريخ فاتح نونبر، (ليلة عيد الأضحى) وبعد ثلاثة أسابيع من رفض قرار النقض، تم إعدام 15 من بين الستة عشر المحكوم عليهم بعد رفض الملك إصدار العفو بالرغم من كل النداءات و رغم الضغوطات الدولية القوية.”

سيسدل بعد ذلك ستار من الصمت والتكتم عن هذه الأحداث حتى أنها أصبحت من المسكوت عنه نظرا للعنف القوي الذي طبعها، ونظرا للحرج السياسي الذي سببته لضحاياها في مجال تحديد المسؤوليات الحقيقية وتقييم هذه التجربة من منطلق نقدي خصوصا وأنها كانت حاسمة في دفع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (أصبح هذا هو الاسم الجديد لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ مؤتمره الاستثنائي سنة 1975) إلى توضيح مواقفه من المبادرات الفردية التي تخرج عن توجييهات الحزب في إطار المركزية الديموقراطية، كما أعلن رفضه الواضح لتواجد أي قيادة موازية في الخارج، وفي هذا تصريح واضح بالرفض القاطع لخيار البصري الذي ظل يؤمن بالعمل المسلح .

تستند عناصر الموقف الرسمي من أحداث مارس 1973إلى اعتبار أن العناصر المتورطة فيها هم مجرمون و مخربون. وخونة مدُّوا أيديهم للأجنبي ومغامرون يريدون أن يُدخِلوا البلاد في حالة فوضى عارمة ومجرد منفذين لمخطط معد انطلاقا و بدعم من ليبيا.

غير أن المعنيين المباشرين بهذه الأحداث لا يترددون في رد هذه التهم على أعقابها ويوضحون الدوافع الحقيقية وراء “التجائهم للعنف الثوري”. في هذا الصدد يقول المرحوم ابراهيم الحلاوي، أحد رفاق شيخ العرب، والذي كان أثناء الأحداث، معتقلا بالسجن المركزي بالقنيطرة،: “لقد كانوا يسموننا “مخربين” و”إرهابيين” وكنا نعتبرهم مصاصي دماء الشعب ومستغلين وناهبي ثروة الوطن وجلادين”..الخ. لقد كان الصراع مشتعلا بين فريقين وبين مشروعين: فريقهم ومشروعهم المبني على تكريس الاستغلال والاستبداد والقمع وتزوير إرادة الشعب… وفريقنا و مشروعنا القائم على النضال من أجل تحرير الوطن و بناء الديموقراطية ودولة المؤسسات ودستور فوق الجميع مبني على سيادة الأمة واحترام لإرادة المواطنين في الاستشارات الشعبية ..الخ، أي في النهاية كان هناك إرهاب دولة قامعة وكان ردُّ الفعل الشعبي العنيف من خلال قواه الحية.”

من هذه الشهادة يمكن استشفاف الخلفيات العامة التي كانت تقف وراء الدعوة للعنف الثوري من طرف أشخاص اقتنعوا بأن كل آفاق النضال السلمي سُدَّت أمامهم من أجل الدفاع عن مشروعهم بالشكل السلمي والديموقراطي، ولم يبق لهم من خيار أمام الإرهاب العنيف للدولة، إلا الرد بالعنف من خلال الالتجاء لحرب العصابات وخلق مناطق التوتر بهدف زعزعة النظام القائم باعتماد أسلوب نسج الخلايا الثورية وتدريبها على استعمال السلاح في أفق تعميم الحرب الشعبية لانتزاع السلطة من أجل تطبيق مشروع المجتمع الجديد .

يقول عبد الله المالكي ، أحد المنخرطين المباشرين في أحداث 3 مارس،وهو الناجي الوحيد بمعجزة من تنفيذ حكم الإعدام (من بين الستة عشر حكما) الصادر عن المحكمة العسكرية بالرباط،: “..لقد كنت مكلفا، لحظتها (حين اعتقاله)، بمهمة من طرف الرفاق في مجموعة عبد العليم سيدي حمو، بعد دخولنا من الجزائر عبر فكيك محملين بالأسلحة رفقة الشهيد محمود بنونة وقد كنا قادمين من سوريا والمعسكرات الفلسطينية، حيث قضيت شخصيا سنة مع منظمة التحرير وكنا ندعى “القوة الصاعقة”.فالمهم بالنسبة إلينا هو العمل المسلح.لأننا كنا نتوق إلى نظام ديموقراطي اشتراكي حقيقي. وليس إلى نظام تخلق توازناته القوى الاستعمارية. “ويضيف : “لقد استشهد العديد من أصدقائنا، مثل محمود بنونة، سليمان العلوي، عمر دهكون، عبد الله النمري (ابراهيم التزنيتي) وآخرين. كلهم استشهدوا من أجل قضية عادلة، وهي تحرير المواطن المغربي من رواسب الاستعمار ورموزه وحراسه في أفق تحقيق مجتمع ديموقراطي يضمن للمواطن المغربي حريته وكرامته. كانت قضيتنا ضد الظلم..”.

في محاولة تحديد الخلفيات التاريخية و النظرية لأحداث مارس 1973

إذا بحثنا في الخلفيات النظرية والفكرية التي تكمن وراء قناعة هذا التوجه نحو العمل المسلح كوسيلة من أجل تغيير الأوضاع السياسية، فإننا نجد أن هذا التوجه امتد لجيلين متتاليين:

الأول ينتمي لرعيل المقاومة وجيش التحرير إبان الكفاح ضد الاستعمار كمحمد البصري و إبراهيم التيزنيتي الملقب بعبدالله النمري ومحمد هوشيمنه الذي كان ينتمي لخلية السرجان محمد العبدي إبان فترة مقاومة المستعمر و محمد أومدة، وغيرهم، والذين شكلوا، بعد الاستقلال، قِوامَ الجناح الراديكالي للاتحاد الوطني للقوات الشعيبة الذي خرج من بين أحشاء حزب الاستقلال في بداية سنة 1959 .

الجيل الثاني من الشباب الدي تربي داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وترعرع في ظل الجو العام الذي تميز أساسا بصراع الحزب المرير من أجل مقاومة العنف الشرس المسلط عليه من طرف السلطة الحاكمة خلال عقد الستينات، ونذكر من بين هؤلاء الشباب: عمر دهكون ومحمد بنونة وغيرهم كثير.

فالجيل الأول عاش محنة الاستعمار وترقب أن ينعم بالعيش الكريم في ظل مغرب مستقل يضمن له كرامته، فوجد نفسه ممزقا بين خيار النفي الاضطراري خارج البلاد، وبين الإصرار على البقاء في بلاده بالرغم مما يتهدده من مصير مجهول، وإن ظل الحلم يراوده في تحقيق مشروع المغرب البديل للزيف والقهر والاستغلال .

أما الجيل الثاني فقد عانق القواسم المشتركة بين أفراد هذه المجموعات في اعتزازهم بانتمائهم لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتشبع بثقافة الحزب، الوطنية المتجذرة إبان فترات الصراع المرير الذي خاضه هذا الحزب من أجل الحفاظ على كيانه في مواجهة السياسة «الأوفقيرية» التي كانت تتوخى إقباره، خصوصا منذ بداية الستينات إثر بروز المواجهة الشديدة بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و القصر، عقب إقالة حكومة عبدالله إبراهيم والشروع في تقويض كل دعائم السياسة الوطنية التي أسستها هذة الحكومة.

تصاعدت الهجمة الشرسة التي قادها جهاز أوفقير ضد الحزب، منذ حدث اعتقال محمد البصري و عبدالرحمان اليوسفي سنة 1960 بتهمة المؤامرة ضد ولي العهد، لتليها محاكمة 1963 بنفس التهمة،ثم محاكمات 1967 و1970 و1973….الخ.

لقد ظل حاملوا قناعة العمل المسلح يعتزون بانتمائهم لهذا الحزب وظلوا يمارسون قناعاتهم باعتبارهم أعضاء في الحزب،بالرغم من أن هذا الأخير ظلت تتضاربه مواقف وتوجهات متباينة بين نهج العمل السياسي داخل إطار المشروعية و بين خيار الكفاح المسلح الذي تبنته مجموعة من مناضلي هذا الحزب في إطار السرية.

وحتى حين يصرح عبد الرحيم (حسبما يسوقه عبد اللطيف جبرو)، عقب محاكمة 1963، ورداً على تهمة المؤامرة ضد نظام الحكم، أن “كل ما هنالك أن بعض المناضلين لا يتحملون ما يتعرضون له من استفزازات و يحصل لهم يأس من الأساليب الديومقراطية لمعالجة المشاكل المتراكمة …”ع.جبرو.16 يوليوز 63.ص.87.88 )،فهو لا ينفي صفة المناضلين عن معتنقي هذا التوجه، بل إنه يمكن القول مع أحد المهتمين بتاريخ الحزب أن :”الأمر يتعلق بمسارين داخل الاتحاد الوطني سيشكل معطى قاراً في مسيرة الاتحاد الوطني من 1963 إلى 1973، ويتعلق الأمر بالعمل السياسي الواضح في إطار المؤسسات القائمة و الذي يمثله عبد الرحيم بوعبيد ومسار تغيير النظام بالثورة المسلحة عن طريق التنظيمات المسلحة التي كانت تتدرب في سوريا و الجزائر ويقود هذا الاختيار محمد البصري”.

وإذا عدنا إلى الوراء فإننا نجد لهذه الإشكالية جذورا في تاريخ الحركة الوطنية إبان الفترات الأخيرة من مقاومة الاستعمار الفرنسي التي وجد خلالها العنف مشروعيته في الكفاح المسلح ضد قوى غازية استأثرت بخيرات البلاد وسحقت كرامة المواطن المغربي بعد أن جردته من كيانه و حقوقه المدنية و السياسية.

1.العنفالمسلحوالنضالالوطنيضدالمستعمر.

احتلت المقاومة المسلحة ضمن النضال الوطني من أجل تحرير أرضه، موقعا مركزيا جعلها تتبوأ مكانة خاصة في اهتمام المؤرخين لهذه المرحلة، سواء منهم الأجانب أو المغاربة. ويمكن القول بأن من الأسئلة التي استعصت على العديد من المؤرخين لهذه الحقبة، كان جزء هام منها يتمحور حول التناقضات التي أفرزها الصراع و التجاذب بين خيار النضال السياسي و خيار الكفاح المسلح.

هل كان العمل المسلح نتيجة خيار تحكمت فيه الحركة الوطنية باعتبارها التعبير السياسي عن الرغبة في انتزاع استقلال المغرب؟ أم أنه كان عملا موازيا بشكل تلقائي ؟ أم كان خياراً تولَّد نتيجة التمرد على النهج السياسي لهذه الحركة المعتمِد على التوجه السلمي لبلوغ ذلك الهدف مع إدانة اللجوء إلى العنف؟.

لن يهمنا بالدرجة الأولى أن نجيب بالقطع على هذه الأسئلة، بقدر ما يهمنا محاولة استشفاف سمات تفاعل النضال السياسي مع العنف المسلح من خلال أهم المراحل التي قطعها خلال الخمسينات.

يقول الأستاذعبد الكريم غلاب بهذا الصدد أن “فكرة المقاومة لم تكن مستثناة من برنامج حزب الاستقلال ولكن الحزب لم يكن يسجلها في عمله أو ينظمها علانية. لقد كان يؤكد أنه حزب سياسي، يعمل بالأساليب السياسية، وذلك حتى يتمكن من ممارسة العمل دون أن تجهضه عمليات غير مسؤولة أو متحمسة أو في غير وقتها. وكان الحزب يؤكد للمناضلين أن النضال يجب أن يظل في دائرة العمل السياسي و التعبئة الكاملة، ما لم يمسّ محمد الخامس، عند ذلك يجب أن تقوم كل الخلايا بما يفرضه عليها النضال.”

لكنه يعود ليستدرك استنادا على ثلاثة عناصر: أولاها أن الحزب كان يدعو للمقاومة بطريق الإيحاء، وثانيها أن علال الفاسي نادى من القاهرة بمواصلة الكفاح (كان هذا بعد نفي الملك)، وثالثها أن بعض أعضاء اللجنة التنفيذية المؤقتة للحزب وبعض القيادات المحلية في الدار البيضاء أشرفوا على توزيع السلاح “الأول”: بعضه نُقل إلى وجدة وبعضه إلى مراكش.والذي كان،على بساطته،هو المنطلق.

ويستخلص من ذلك “أن المقاومة لم تكن تلقائية، ولم تكن خارجة عن تنظيمات الحزب. وبالتالي لم تكن ثورة على منهج الحزب و خطته، ولو أنها تدخل في “التاكتيك” الذي كان الحزب مضطرا إلى استعماله، ويترك الفرصة لبعض أعضائه ليتحملوا مسؤوليته دون أن يكون قرارا صادرا باسم الحزب.”

ويسجل الأستاذ غلاب اقتران بدايات المقاومة الكفاح المسلح بمجزرة البيضاء سنة 1947.غيرأنها كانت جماعات صغيرة و محدودة.ولم تنتعش إلا بعد أن دخل العمل الاستقلالي في طور السرية بعد أن حل الجزب من جديد في ديسمبر 1952.

لكن ما يغفل الوقوف عنده الأستاذ غلاب هو أن العديد من قياديي حزب الاستقلال، كانوا يعلنون معارضتهم لاستعمال العنف و اللجوء للكفاح المسلح إلى حدود حادث نفي الملك، بل واستمر بعضهم متشبتاً بموقفه حتى تاريخ الحصول على الاستقلال.

وندرج شهادات مجموعة من الباحثين تؤكد ما يذهب إليه الأستاذ عبد المجيد بنجلون، حين يخلص إلى أن عمليات الفدائيين وعمليات جيش التحرير فيما بعد، “كانت نتيجة نشاط مجموعات من العناصر النشيطة التي تصرفت باستقلال كبير عن الأحزاب السياسية”و هو ما تزكيه شهادات أشخاص كانوا فاعلين في الساحة آنذاك والتي تتحدث عن نشأة الخلية الأولى من طرف الشهيد الزرقطوني سنة 1948،هذا الأخير الذي تشاء الصدف أن يكون قد اختير من طرف الحزب لمهمة مراقبة التنظيمات الحزبية بالدار البيضاء حتى لا يخترقها أي توجه نحو الإرهاب”أي نحو العمل المسلح.

يقول محمد خليل بوخريص،أحد رفاق الشهيد الزرقطوني، عن الخطاب الجديد الذي أفرزه الاقتناع باللجوء للكفاح المسلح :”كان خطاب النخبة، وهي نخبة تربَّت في حزب الاستقلال، وكانت راديكالية، واختارت المقاومة المسلحة سبيلا للنضال من أجل تحقيق الحرية و الاستقلال.”،وبمناسبة حديثه عن ظروف لقائه بالشهيد الزرقطوني،يقول :”… التقيت الشهيد في ظروف كانت مهيأة لتحرك الشباب كشعلة، حيث كان الاستعداد للعمل الفدائي قد نضج، بعد العمل السياسي الدؤوب الذي بناه الحزب(حزب الاستقلال) منذ 1944، من خلال التأطير وبث الوعي الوطني شعبيا والذي تكاملت فيه الواجهة السياسية، مع الواجهة الشبابية، مع الواجهة الثقافية ثم أخيرا مع الواجهة الجمعوية.”

وسيحافظ رجال المقاومة على استقلالهم النسبي اتجاه القيادات السياسية التي كانت منذ بدايات النضال الوطني تتحفظ من العمل المسلح، وتميل للنضال السلمي عن طريق لجان التزيين ومقاطعة البضائع الفرنسية وخصوصا منها السجائر وغير ذلك من أساليب التعبئة.

ابتعاد المقاومة عن الخط السياسي للقيادات الوطنية، سيتعمق أكثر حين تجعل هذه الأخيرة من المقاومة الجزائرية حليفاً موضوعياً لها، خصوصا وأنها تحمل نفس مواصفاتها وتلتقي معها موضوعيا في حربها ضد الاستعمار الفرنسي، إضافة لتقدم التجربة الجزائرية في مجال الخبرة العسكرية نظرا للشوط الطويل الذي عاشته هذه التجربة بالنظر لمثيلتها في المغرب.

بعد أن اشتعل فتيل العمل الفدائي أصبح الطموح الكبير لقائد المقاومة الشهيد الزرقطوني هو أن ينقل الثورة إلى الجبال و أن يعطي للمقاومة المسلحة بعداً وطنياً من خلال التنسيق بين جيوب المقاومة التي تكوَّنت على صعيد التراب الوطني، حتى أنه كان مرشحا لأن يكون رجل التنسيق مع المقاومة الجزائرية. كما صرح بذلك الفقيه البصري :”بدأنا نُعده للسفر إلى الشمال،لأن الرسالة وصلتنا أن الثورة يتم التهيئ لها بالجزائر(…).فكنا نهيئه للسفر إلى الشمال من أجل الاتصال بالجزائريين للتنسيق من أجل تطوير المقاومة، من مقاومة سرية إلى مقاومة علنية، وأن يصبح هو المسؤول عن كل تنسيق مع الجزائر. كان هذا هو المخطط الذي اتفقنا عليه. لكن للأسف سيُعتقَل ثم استشهد.”(سيستشهد الزرقطوني يوم 18 نونبر 1954). وفعلا، وكما توقع ذلك الشهيد، فقد عم لهيب الكفاح المسلح جل المناطق: “فعلى صعيد المغرب، عرفت حركة التحرير الوطني نشاطا مكثفا وفعالا بفعل حركات المقاومة المسلحة الحضرية. وانتقل عمل هذه الحركات من المدن ليشمل البوادي بانتفاضات وادي زم، وخريبكة، والأطلس الصغير، وقصبة تادلة وخنيفرة. وفي هذا الوقت الذي بلغ فيه النضال التحرري هذا التصاعد، كانت القيادات الفدائية التي التجأت إلى تطوان تفكر في تأسيس جيش التحرير على غرار الثورة الجزائرية التي انطلقت في الجبال في نونبر 1954 وعلى غرار حرب العصابات التي شهدتها الهند الصينية و التي شارك فيها العديد من الجنود المغاربة.”

بالاستفادة من تجربة الأمير عبد الكريم الخطابي الذي كان له نفس الطموح في تأسيس لجنة لتحرير المغرب العربي، الطموح الذي لم يكتمل لظهور خلافات بين القيادات السياسية المغربية، جعلت من الصعب التنسيق بين مكوناتها. كان هاجس المقاومين، الذين اضطرتهم الضغوطات المتزايدة بالمنطقة الخاضعة للاستعمار الفرنسي، إلى الهجرة و اللجوء للمنطقة الشمالية الخاضعة للنفوذ الأسباني من جهة، ورجالات المقاومة الجزائرية من جهة ثانية، هو أن يحرصوا، حرصا شديداً، على ضمان استقلاليتهم اتجاه النشطاء السياسيين آنذاك، ويبرز هذا، على الخصوص، في اللقاءات التي تمت بالناظور تحت إشراف المصريين بهدف التنسيق من أجل بناء جيش التحرير، وتحت تأثير الأمير عبد الكريم الخطابي الذي كان ظِلُّه حاضرا باستمرار في عملية التأسيس هاته.

سيقود أصدقاء الزرقطوني :عباس المساعدي و عبد الله الصنهاجي المفاوضات مع الثوار الجزائريين، الذين كانوا يعقدون آمالا كبيرة على مساندة المغاربة و خصوصا منهم رجال المقاومة، مما سيسفر على انبثاق ميثاق تحرير المغرب العربي الذي وُقِّعَ بالناظور في 15 جوان ،1955 والذي سطر من بين أهم بنوده أن يستمر النضال المسلح إلى حين تحرير كل بلاد المغرب العربي من الاحتلال الفرنسي.

يورد زكي مبارك ،أحد الباحثين المتخصصين في تاريخ المقاومة، لقاء الناضور الذي جمع بن بلة مع الصنهاجي و عباس المساعدي :”المباحثات التي أجراها بن بلة مع المسؤلين المغاربة بالناظور كانت مرضية. فقد اقتنع بأن المغاربة سيقدمون للمقاومة الجزائرية كل الدعم اللازم لها. من جهتهم سيساعد الجزائريون الكوموندوهات المغربية على الاستعداد لحرب العصابات. وقد عمل العربي بن مهيدي، قبل أن يعود للجزائر على تدريب العناصر الأولى وتكوينها عسكريا. هذه النواة الأولى هي التي أخذت على عاتقها تكوين الكومندوهات التي توزعت على الجبال الريفية وجبال الأطلس المتوسط.”وبهذا يشكل الميثاق بحق، نقطة الانعطاف التي قنَّنت كل الإرهاصات، وبذلك تكون القفزة النوعية في مراحل تكوين جيش التحرير المغربي. و”من مارس 1955 إلى أكتوبر 1955 تم تكوين الفرق الأولى التي سيدشن بها جيش التحرير عملياته الحربية من رجال القبائل التي تمتد على طول الحدود الفاصلة بين منطقتي النفوذ الإسباني و الفرنسي(..)كما تكونت لجنة التنسيق لتحرير المغرب العربي ضمت ممثلين اثنين عن القيادة العسكرية المغربية وممثلين عن القيادة العسكرية الجزائرية وذلك يوم 15 يوليوز 1955 بمدينة الناظور، وتشكلت هذه اللجنة من عضوية: عباس المسعدي وعبد الرحمان بن عبد الله الصنهاجي عن القيادة المغربية ،وبوضياف والعربي بن المهيدي عن القيادة العسكرية الجزائرية. وقد حددت هذه اللجنة أهدافها ومبادئها وقوانين تسييرها في وثيقة موقعة من طرف أعضائها وجهت نسخة منها إلى القيادة العليا بتطوان”.

والجدير بالإشارة على أنه، وبالرغم من أن “الحركة الوطنية في شمال المغرب شكلت القاعدة الخلفية للنضال التحرري، وحِصناً حصيناً للمقاومة ورجالاتها، ثم لجيش التحرير ولقيادته”وعلى الرغم من أنها شكلت أيضا رافدا أساسيا في التموين بالسلاح و المال، فإن قيادة جيش التحرير التي ظلت في الميدان، حافظت دوما على المسافة بينها و بين مختلف القيادات السياسية، على الرغم من كل محاولات الاختراق و الاحتواء التي مارستها هذه الأخيرة. و ظلت، بالرغم من وجود لجنة مشتركة تدعى لجنة المقاومة تُصِر على الحفاظ على استقلاليتها اتجاه الأحزاب السياسية، وظلت تنظر لها على أنها كانت مستعدة في أي وقت للتفاوض مع الاستعمار الفرنسي، و معتقدة عن وهم بإمكان انتزاع استقلال حقيقي عن طريق المفاوضات.

و”لم يأت خريف 1955 حتى كان قد تم تنظيم وإعداد نحو عشرة آلاف رجل، على الرغم من أن قوى الميدان كانت تقريبا حوالي خمسة آلاف. أما القطاع الريفي في الجيش فهو أول قطاع تم تشكيله من وحدات نظمت من بعد في جبال الأطلس الأوسط وفي وادي سوس بأغادير وكان عبد الله الصنهاجي يتولى القيادة في المنطقة الغربية من جبال الريف بين تطوان و الناضور،وهي تمتد جنوبا في اتجاه وزان وقرية بامحمد. أما العباسي فكان قائدا لمنطقة الريف الوسطى إلى الشمال من فاس وتازة، بما في ذلك القلاع حول بوريد وتنسيت و أكنول. أما في الشمال فإن الرجال كانوا ينتمون في معظمهم إلى قبائل جبال الريف الوسطى، وكانوا مشهورين بمزايا القتال الذي عرف عنهم منذ ثورة عبد الكريم. وأما في جبال الأطلس المتوسط فإن المركز الأصلي للتنظيم كان قائما وسط قبائل مرموشة في المنطقة الواقعة جنوب تازة وهي التي كان يمكن الوصول إليها من الجزائر عبر المنطقة غير المزدحمة بالسكان، وسهول جنوبي شرق المغرب القاحلة، وكذلك أقامت بعض الوحدات في الجنوب، معتمدة على الأسلحة و الرجال المدربين الآتية عبر إفني و المنطقة الإسبانية”.

هذه الأبعاد التي أخذها النضال المسلح بعد انتشاره عبر كافة التراب الوطني،إضافة إلى حشود للجنود و الضباط المغاربة الذين هجروا صفوف القوات الاستعمارية للانضمام لجيش التحرير المغربي، دفع بفرنسا إلى الإسراع بتحريك ملف المفاوضات التي انتهت بعودة الملك بتاريخ سادس عشر نونبر 1955،والتي لم تجعل أعضاء جيش التحرير يقتنعون بضرورة وضع السلاح باعتبارهم كانوا يعارضون بشدة مسلسل المفاوضات مع فرنسا، وتجسَّد ذلك في توالي عملياتهم ضد القوات الاستعمارية.

و بانطلاق المفاوضات المباشرة مع فرنسا والتي أعقبت تشكيل أول حكومة ائتلافية مغربية، حصلت ضمنها مختلف الأحزاب السياسية على مقاعد وزارية من جهة، وانطلاق عملية تشكيل الجيش النظامي من جهة ثانية، ستطفو إلى السطح العديد من الخلافات بين قيادة جيش التحرير و باقي القيادات السياسية، خلافات تولدت عن محاولة هذه الأخيرة الظهور بمظهر الوصي على المقاومة وجيش التحرير من أجل استعمالها كورقة ضغط لإعادة ترتيب السلطة بعد ذهاب فرنسا.

” خلال الأشهر الأولى المبكرة من عام 1956 جرت هجمات متقطعة على نقط الحراسة الأمامية و على مكاتب المصالح الحكومية بالبادية.وبدأت وحدات جيش التحرير في جبال الأطلس المتوسط توسع نشاطها شرقا بشن هجمات جديدة قرب خنيفرة و الخميسات. ولما أصبح جيش التحرير أكثر نشاطا، صار خطره على إقرار النظام في المغرب أعظم، وازدادت صعوبة السيطرة عليه. ولم تُنفَّذ خطط دمج جيش التحرير في الجيش الملكي حتى (تم) توقيع الاتفاقية الفرنسية المغربية. فذهبت البعثات من زعماء الاستقلال إلى الريف لتجري اتصالات مع المسؤولين من جيش التحرير ولتتعرف على شروطهم لإيقاف القتال. وقد سَبَّبت المحادثات الاستطلاعية الأولى، التي قام بها زعماء حزب الاستقلال، بلبلة جسيمة وخيبة أمل بين رجال العصابات من القبائل الذين كانوا يتوقعون أن يستمروا في القتال من أجل تحرير جميع الشمال الإفريقي، ولم يفهموا التعقيدات السياسية الحزبية.” وقد أصدر ت القيادة العليا بتاريخ 10 نونبر 1955 بلاغا جاء فيه :” أمام موجة من النداءات الصادرة عن هيئات سياسية أو جماعات تضليلية تحاول أن توهم الرأي العام المغربي والرأي العام الدولي أن لها اليد الطولى في المقاومة المغربية وجيش التحرير. تعلن المقاومة و جيش التحرير أنه ليس لأحد من هؤلاء الحق في التكلم باسمها خصوصا وأنه يوجد من بين هؤلاء من سجل عنهم التاريخ المغربي مواقف مخزية يندى لها الجبين.

أما وقد غدت طلائع الفوز تبدو، ويعيد أولئك الكرة مرة أخرى، ويقفون موقفا كالموقف السابق في حمل معاول الهدم ويحطمون بها ما بنته دماء الشهداء بدماء المغرب العزيز، فهذا ما لا نقبله.

وأمام هذا التدخل السافر تؤكد المقاومة و جيش التحرير و تعيد أن ليس لهؤلاء الفضوليين أي حق في التكلم باسمها كما نغتنم الفرصة لنعلن إنذارنا الشديد لكل من سوَّلت له نفسه التدخل فيما لا يعنيه. نعم هناك من نعتبر أنفسنا مدينين لبطولته وشهامته خاضعين لقيادته موقنين بحكمته جديرا بالاستماع إلى توجيهاته وتلبية دعوته، ذلك هو جلالة مولانا الملك حامل مشعل الكفاح الوطني في أحرج مراحله.(..)

ونزولا عند رغبة جلالة الملك في ملازمة الهدوء ريثما يتضح اتجاه فرنسا في المفاوضات وتبرهن من جديد على استعدادها وحسن نيتها. قررت القيادة العامة لجيش التحرير باتفاق مع المقاومة إيقاف العمليات الحربية مؤقتا مع احتفاظ جيش التحرير بمراكزه حتى يستخلص السيادة المغربية عن آخرها دون قيد و لا شرط”.

في الوقت الذي يسجل فيه حزب التحرير، عن طريق قيادته، الحدود الفاصلة بينه وبين مختلف القيادات السياسية، بدون استثناء، يعلن خضوعه لسلطة الملك. ويمكن القول عموما أن جيش التحرير المغربي وجد نفسه أثناء فترة الانتقال إلى مرحلة الاستقلال موزعاً بين الوفاء للملك و بين الوفاء للعهد الذي قطعه على نفسه بأن لا يضع السلاح حتى التحرير الكامل لكل من المغرب و الجزائر. ويعد هذا من بين أهم العناصر التي تعلل الانقسامات التي عرفها جيش التحرير بعد اغتيال زعيمه المساعدي حيث اندمج تباعا، جزء هام منه في الجيش النظامي في حين انحاز جزء منه نحو الصحراء و بقيت فرق تجوب جبال الريف و الأطلس المتوسط إلى أن التحقت بدورها بالجنوب لتدعيم جيش التحرير في الصحراء. في حين انخرط جزء في الحياة السياسية و الإدارية للمغرب الجديد. إضافة إلى الأفراد و الجماعات التي سيتم تصفيتها سواء من طرف مقاومين آخرين أو من طرف الجيش النظامي طيلة السنوات الأخيرة من الخمسينات، مِمَّا أدى إلى هجرة مجموعة من المقاومين خارج الحدود المغربية ونزوح جزء هام منه للجنوب من أجل تحرير الصحراء.

ودون الدخول في تفاصيل تركيبة ما سمي عموما بجيش تحرير الجنوب يمكن أن نذكر أنه وبعد تصفية المساعدي و ورحيل الصنهاجي للرباط، وجدت القيادات السياسية المتصارعة على بسط نفوذها على هذا الجيش، وخصوصا منها الحركة الشعبية و حزب الاستقلال، الفرصة مواتية للتنافس لتحقيق نواياها في السيطرة عليه، وكانت الغلبة في هذا الصراع لحزب الاستقلال الذي استطاع عبر مراكزه المتواجدة في البادية أن يقدم الدعم اللازم لجماعات حرب العصابات في وجهتها نحو الجنوب، عقب الحملة التي روج في شهر يناير من سنة 1955، حين أعلن على “أن أهم مساعدة نقدمها للجزائر هي أن نفتح جبهة أخرى ضد الاستعمار في الصحراء” لكن “لم يأت هذا الوقت حنى كانت القيادة الأصلية لجيش التحرير قد تفسخت تقريبا تفسخا نهائيا”.

تعود بدايات العنف المسلح بمغرب القرن العشرين، إذن إلى تاريخ مقاومة المستعمر الأجنبي حيث انطلق بشكل عفوي، وبدون استهداف نفي ما كان للثورات الريفية و الأطلسية و الصحراوية من رصيد شكل صداه دعما معنويا لرد فعل تلقائي من طرف بعض الأفراد الذين تمردوا على واقع الظلم و الحيف الذي طالهم وطال أقربائهم، وكانت الصورة الهلامية التي اتخذتها المقاومة في بداياتها تتمثل بالأساس في توجيه الضربات للفرنسيين من أجل تحرير البلاد وانتزاع الاستقلال عبر عمليات فدائية تستهدف تخريب المنشئات الفرنسية واغتيال الخونة والثأر من الجيش الفرنسي وأتباعه.

لكن المنحى الأساسي الذي أخذته المقاومة، والذي أصبح، مع مرور الوقت، يبتعد عن النشاط السياسي لحزب الاستقلال وكذا حزب الشورى و الاستقلال، ويتسم براديكالية في ارتياد سبيل العنف المسلح باستقلال كبير عن هذه الأحزاب، بل واكتسب، مع تصلب المواقف السياسية لهذه الأحزاب في إدانة أعمال العنف، طابع السرية، حتى عن هذه الأحزاب نفسها، واكتسى طبيعة ثورة للجيل الجديد الذي كان يعتبر أن هذه القيادات السياسية تعمل بوثيرة بطيئة وتتسم بسمات برجوازية صغيرة تجعلها غير قادرة على استنهاض طاقات الشعب في مواجهة المستعمر باكتفائها بالتنديد السياسي والنضال السلمي الذي تمخض عنه قبول التفاوض مع المستعمر، بالرغم من أنها هي التي كانت وازنة في الدفع بانطلاق هذا المفاوضات، حينما بلورت المَطْمَحين الأساسيين في مطالبها: مطلب عودة الملك الذي جعلت منه رمزا للسيادة الوطنية، ثم تحرير كافة تراب المغرب العربي انطلاقا من التزاماتها ضمن جيش تحرير المغرب العربي.

ما يمكن استخلاصه من هذا العرض هما نقطتان أساسيتان:

قراءة الشهيد المهدي بن بركة لهذه التجربة ضمن نقده البليغ والجريء بالنظر للمرحلة التي طرح فيها، في الوثيقة الشهيرة باسم “النقد الذاتي”، تحاول استخلاص بعض الدروس العميقة للدلالة على أخطاء ارتكبتها الحركة الوطنية أدت بها إلى خلفها لوعد أساسي مع التاريخ.

ضمن هذه الوثيقة يستعرض المهدي بن بركة المراحل الثلاث التي مرّ منها النضال الوطني والتي يمكن أن نوجزها في مرحلة أولى تميزت في مدى سلبية عدم التقدير الإيجابي لعنصر انخراط الجماهير العريضة من فلاحين و عمال في صفوف الحركة الوطنية، وسمة المرحلة الثانية في التحام سكان البادية والأرياف بالمقاومة التي وفرت خزانا وقاعدة لتكوين جيش التحرير مع تسجيل غياب وضوح في معالجة قضية العنف كأسلوب سياسي يتجسد في المزج بين الوسائل السياسية و العسكرية. ومرحلة ثالثة اتسمت أساسا في غياب استراتيجية تستوعب الأهداف المرحلية ضمن وحدة مستقبلية للمصير المشترك لأقطار المغرب العربي، وعوض ذلك الاكتفاء بنصف الحلول (اتفاقية إكس ليبان)، بل و الأدهى من ذلك عدم استغلال هذا الظرف للتوجه للجماهير العريضة من أجل توضيح ما يقع لأوسع المناضلين من أجل ضمان “تحديد متطلبات معركة تحريرية جذرية”. ويخلص إلى “أن لا أحد يستطيع أن يُنكر الدور الذي لعبه في التحول المفاجئ للسياسة الفرنسية اقتران الحركتين التحريريتين الجزائرية و المغربية وما كان سيترتب عليه من نتائج. وأيضا ليس من قبيل الصدفة أنه في الوقت الذي بدأ فيه المناضلون-وإن كانوا قد بدأوا فقط يدركون من وراء الرمز- المعنى العميق للنضال الوطني. في هذا الوقت بالذات فهِم المستعمِرون المعنى العاطفي لإرجاع الملك من منفاه. ونحن اليوم إذا حللنا هذه المطابقات بعد مرور الزمن عليها، ندرك أن السياسة الاستعمارية بلغت منتهى من الذكاء كنا أبعد ما نكون عن تصوره.

نعم بدأت تتضح المعالم المكيافيلية لهذه السياسة عندما شرَع الاستعمار في تطبيقها على مدى أوسع في مجموع القارة الإفريقية. غير أنه منذ نهاية سنة 1956 أخذت مرارة الخيبة تظهر في نفوس عدد من المناضلين وخاصة قادة المقاومة و جيش التحرير، وكان ذلك بمثابة الشعور الحدسي بأن سير الثورة قد توقف.

فهل نحن أخذنا في حسابنا هذا الشعور بالخيبة واستنتجنا منه نتائج إيجابية كما كان يجب علينا؟ وهل شرحنا مغزى حل”إكس ليبان” بعد أن ظهرت سياسة الخصم جلية واضحة للعيان عندما أعلن الكلاوي تراجعه المسرحي و توبته الموعز بها إليه ؟

كلا لم يقع شيء من ذلك، بل أخذنا على عاتقنا تلك الاتفاقية بما لها وما عليها وتقدمنا بها كعربون على اندحار الاستعمار الفرنسي.(..)

إننا في الحقيقة لم ندرك معنى المنعرج الذي وصلت إليه حركتنا، ولم نتخذ له العدة في وقته، لأسباب يمكن نقاش صلاحيتها، ولكن النتيجة الملموسة هي أننا عللنا أنفسنا بأن تلك التسوية إنما كانت توقفاً مرحلياً في مسيرتنا الثورية.

وكان مفروضا ضمنيا أن يستغل هذا التوقف كفترة استجمام للحركة الوطنية لاسترجاع نفسها، ومعالجة التضخم الذي أصابها واستيعاب القطاعات الثورية الجديدة في صفوفها، غير أن هذه المحاولات، وإن كانت أنجزت بِنيَّة حسنة، إلا أنها لم تكن موضوعة في إطار استراتيجية شاملة، مما جعلها تفضي إلى نتائج عكسية، بل إلى تعفن أجهزة الحركة الثورية.”

لقد شكلت مرحلة مابعد الاستقلال امتدادا لظلال هذا التوتر، الذي سيتزايد حدة مع ظهور رهانات جديدة تتسم بالتصارع على اقتسام السلط بعد إزاحة المستعمر الذي بقي مع ذلك، حاضرا من خلال جيوبه، سواء منها السياسية أوالعسكرية أوالاقتصادية.

وبالنظر للجانب الذي يهمنا، فإن تلك الامتدادات ستجعل التناقضات السياسية التي طفت على حزب الاستقلال، مباشرة قبل انشقاق هذا الحزب، ترمي بظلالها على جيش التحرير وتجعله يصبح خاضعا لرهانات سياسية جديدة عملت بكل جهدها على اختراقه. ويصف آشفورد الحالة في نهاية سنة 1958 بقوله :”.. أما جيش التحرير المغربي، فإنه كانت تبدو عليه فترة الانتقال الصعبة، على الرغم من أن التوتر لم يلمس إلا بين طرفيي حزب الاستقلال، ولم يعد قضية وطنية، وبدا أن قوات حرب العصابات في ولاية أكادير و القبائل في المنطقة الفرنسية الإسبانية إلى الجنوب تُكِن الولاء للملك و (علال) الفاسي. وكانت بعض الوحدات التي استمرت على ولائها للفقيه البصري و الجماعة النشطة في حزب الاستقلال.”

في هذا الخضم ستبدأ مراحل الاحتواء لمختلف تشكيلات جيش التحرير، وفيما كان الجنوب يعيش على امتداد التناقضات داخل حزب الاستقلال بصدد الاختيارات العامة لمستقبل البلاد، سيعلن المهدي بن بركة _ بمناسبة الانشقاق عن حزب الاستقلال والذي سيعقبه إنشاء حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية _ أنه ” يجب أن ننجز الوحدة بين القوى الثلاث الكبرى في المغرب: النقابات، الفلاحون و المقاومة. إن المقاومة هي التي ستشكل لنا الجسر نحو العالم القروي الذي أهملته الحكومات السابقة”.

كان الجيش النظامي آنذاك تحت إمرة الجنيرال أوفقير، يقوم بحملات تطهيرية استهدفت تصفية المقاومة بالريف و الشمال عموماً وكذا الأطلس المتوسط باجتثاث آخر قلاع النضال المسلح بهذه المناطق، ذلك أن هذه الأخيرة ستستمر بموازاة مع هيكلة الجيش النظامي. هذه الهيكلة التي ستشكل مناسبة أخرى لتعميق الهوة بين المعارضة الجديدة و النظام على اعتبار أنها تمت في اتجاه تقوية السلطة المركزية للملك بما يرتبط بذلك من القضايا المتعلقة بالسياسة الدفاعية وخطط تنظيم الجيش ورسم أهدافه و توجيهاته لترتفع حدة الانتقادات لمؤسسة الجيش حتى بين المعتدلين من أمثال بلافريج الذي أشار مرَّة إلى أن حكومته لم يُسمح لها بتغيير العلاقات القائمة بين الحكومة و الجيش، هذا بالإضافة إلى هجوم مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب آنذاك على ما سموه بـ “جيش استعراض”و معارضتهم للتكاليف التي تتطلبها هذه المؤسسة ناهيك عن استمرار بقاء الضباط الأجانب بين صفوفه –ولعل هذا أهم اعتراض- على وجود قوات “تعمل ضد الوطن وضد الشعب” في هذا الجيش وقد كان هذا الموقف من أكثر الآراء تطرفا فيما يتعلق بالجيش، وهي آراء أكثر العناصر تقدمية في حزب الاستقلال. ولعل أهم ما قلب الموازين هو موقف الحزب الجديد من إنشاء “المجلس الدستوري” (ظهير 3 نونبر 1960)حيث أعلن الرفض المطلق للمشاركة في هذا المجلس الذي اعتبره المهدي “من صنع نظام ثيوقراطي و فيودالي يبحث عن بعث البنيات الوسطية للمجتمع المغربي القديم وذلك للحفاظ على الامتيازات القديمة .

وحين ستتخذ حكومة عبد الله ابراهيم قرارات طرد الأطر الفرنسية داخل البوليس و الجيش وفتح النقاش حول اختصاصات وزارة الداخلية و الأمن الوطني سيتم الطلاق بين القصر والمعارضة و ستصبح المواجهة مباشرة بين نظام ملكي أصبح يؤسس شرعيته على القوة المادية للجيش وعلى القوة السياسية و الإدارية لوزارة الداخلية، وبين حزب جديد سيبرهن على قوته الجديدة، من خلال فوزه بـ 23 % من الانتخابات البلدية و القروية لشهر ماي من سنة 1960.

ستعرف مرحلة الستينات منعطفا هاما في تاريخ المغرب، وهي لوحدها تستحق وقفات تحليلية خاصة، نكتفي هنا باستعراض بعض المحطات الأساسية من أجل فهم المناخ العام للوضع السياسي بالبلاد خلال هذه الفترة.

بسقوط حكومة عبد الله إبراهيم وترأس ولي العهد الحسن الثاني، نيابة عن أبيه الحكومة الجديدة، سيُعلَن الطلاق التام بين الحكم الملكي والمعارضة التي سيكون رأس حربتها هذه المرة، حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الذي انفصل عن حزب الاستقلال، وستكون النقطة التي أفاضت الكأس هي اعتقال الفقيه البصري و عبد الرحمن اليوسفي مدير ورئيس تحرير جريدة التحرير الناطقة باسمه، حين صرحت بأن الحكومة يجب أن تكون مسؤولة أمام الشعب و ليس أمام الملك، هذا الطلاق الذي سيمتد عمره إلى حدود حكومة النتاوب التي ترأسها اليوسفي سنة 1997.

لقد شهدت السنوات الثلاث الأولى من عقد الستينات صراعا مباشرا و عنيفا بين السلطة الملكية، والتي استطاعت خلال الفترة الممتدة من تاريخ إحراز الاستقلال أن تنجح في بناء جيش نظامي تحت الإمرة المطلقة لها وشرطة يوجد على رأسها منذ تاريخ 12 يوليوز 1960، اليد اليمنى لها و أحد الوجوه التي ستطبع تاريخ المغرب للعقود الموالية هو الجنيرال أوفقير، كما ستشرع منذ هذه المدة في شن حرب على مستوى مختلف الإدارات العمومية بهدف تنحية كل الشخصيات التي كان حزب الاستقلال قد أدمجها ضمنها من قياد و عمال و رؤساء مصالح لتعويضها بأطر تقنقراطية ومقربين من القصر. كما ستعرف هذه المرحلة سلسلة من المناورات السياسية و الاعتقالات في صفوف عناصر المقاومة الذين عززوا صفوف الحزب الجديد.

سيعتقل البصري و اليوسفي باعتبارهما مدير ورئيس جريدة التحرير،بتهمة التهجم على الملك و التحريض على ارتكاب جرائم ضد أمن الدولة و القيام بأعمال تخل بالأمن العام و المسّ بسلامة الدولة. وتلى ذلك اعتقالات شملت مجموعة من قدماء جيش التحرير من بينهم عبد الله الصنهاجي ومحمد بن سعيد وبوشعيب الدكالي ومحمد الذهبي بتاريخ 13 فبرير 1960، بتهمة محاولة اغتيال ولي العهد. كما تقرر أن يتم حل جيش الصحراء. و”لقد تم قطع خطوات خطيرة في دعم سياسة القمع بالمغرب يوم 12 يوليوز 1960 حينما أسندت الإدارة العامة للأمن الوطني إلى الكولونيل أوفقير إذ أن عهدا مُظلما بدأ في صيف 1960.”

ستتسارع الأحداث بإجراء الانتخابات الجماعية لشهر ماي من سنة 1960 (والتي عرفت تأجيلا مستمرا منذ سنة 1957 بدعوى سيطرة حزب الاستقلال على دواليب الإدارة، مع أنه كانت من المهام الرئيسية لحكومة عبد الله إبراهيم تهييئ هذه الانتخابات). هذه الانتخابات التي أدانتها المعارضة لما ميَّزها من الخروقات و الضغوطات، كانت “فرصة للسلطة الملكية لفرز “قوة ثالثة”مكونة من الأعيان المحليين ومن النخب القروية و الإدارية بعيدة عن عن الصراعات السياسية ومتشبتة بالهيبة الدينية و التقليدية للملكية.” هذه القوة الثالثة هي التي ستلعب دور الوسيط والدعامة السياسية للنظام الملكي مقابل حصولها على امتيازات زكت موقعها الاقتصادي كفئة للكمبرادور.

وسيكون المؤتمر الثاني لحزب الاتحاد الوطني الذي انعقد فيما بين 25 و27 ماي من سنة 1962 مناسبة لتحديد مواقفه السياسية من الوضعية العامة للبلاد، حيث يؤكد أنه على ضوء نتائج السنوات الست للاستقلال التي تميزت ب”تجربة الحكم المطلق الممارس مباشرة من طرف الملكية” ويعدد التقرير هذه النتائج التي نذكر من أهمها التقرير بنشوء حكم فردي مطلق وتولد جهاز إداري متعفن متميز باللامسؤولية والامتيازات و الزبونية والتصفية المعنوية و الجسدية لكل التنظيمات الوطنية للمقاومة و نهج سياسة انتقامية وحقودة ضد المناضلين الذين كدُّوا طويلا في محاربة الاستعمار .

ولم تمض على هذا المؤتمر بضعة شهور حتى فوجئت المعارضة بقرار الملك عرض أول دستور رسمي للبلاد على الاستفتاء بنعم أو لا. وقد قرر حزب التحاد الوطني للقوات الشعبية مقاطعة الاستفتاء حتى قبل أن يطلع على مضمونه احتجاجا منه على كونه أعد في الخفاء ،ولكون هذا الحزب ظل متشبتا بمطلب انتخاب مجلس دستوري لإنجاز هذه المهمة، هذا في حين قرر حزب الاستقلال، وبعد تردد أن يصوت لصالح الدستور.

ستأتي نتائج الاستفتاء الذي جرى في السابع من شهر دجنبر، لتؤكد التأييد الساحق الذي لاقاه الدستور الجديد ولتبرهن على انتكاسة المعارضة في شخص حزب الاتحاد الوطني الذي دعا لمقاطعته.

وإثرها ستتسارع وتيرة الأحداث حيث ستكون فترة الحملة التي سبقت انتخابات التشريعية لسابع عشر ماي من سنة 1963 مناسبة لاحتداد الصراع بين المعارضة و الجبهة العريضة للفديك، ومناسبة لرواج أفكار التغيير الجذري ضمن صفوف الاتحاد الوطني، بل و تجذّر مواقف حزب الاستقلال نفسه الذي خرج منهزما من تجربة المشاركة في الحكم. وقد ثارت ثورة المعارضة ضد التزوير الذي شاب هذه الانتخابات شملت بعدها الاعتقالات أعضاء من حزب الاستقلال و تم رفع دعوى من طرف الحكومة ضد كل من جريدة العلم و الأمة الإفرقية و التحرير.

هذا التوتر الذي سيعرف تصعيدا خطيرا عشية الانتخابات المحلية التي جرت بتاريخ 28 يوليوز و”في 16 يوليوز 1963 اجتمع المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية واتخذ قرارا بمقاطعة الانتخابات المحلية التي كانت ستجري في نهاية الشهر احتجاجا على التدخلات المكشوفة للإدارة في المراحل السابقة ليوم الاقتراع بهدف ترجيح كفة الفديك، الحزب الإداري الذي أسسه وزير الداخلية أكديرة، وهو جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية. فقبل نهاية الاجتماع قامت قوات الأمن باحتلال مقر الحزب و اعتقال كل المجتمعين ونقلتهم إلى مفوضية الأمن بالدار البيضاء (….)

وإلى جانب الذين اعتقلوا بمقر الاتحاد بالدارالبضاء اتسعت الحملة الوطنية لتتولد عنها حملات جهوية و محلية.فاكتظت مراكز الشرطة بالمناضلين و غير المناضلين من المتعاطفين أو غير المتعاطفين مع القوات الشعبية: آلاف من الناس يعذبون لأن أوفقير كان يريد أن يوهم الرأي بأن انقلابا لتغيير النظام كان وشيكا وأنه بفضل قوات الأمن تم إحباط المؤامرة .”

تلت هذه الاعتقالات محاكمة توبع فيها 106 شخص بتهمة المس بالأمن الداخلي للدولة(سيعلق عليها عبد الرحيم بوعبيد بقوله أن أساليب البوليس والنيابة العامة لم تختلف في شيء عن الأساليب التي كنا ضحاياها سنة 1952 إبان فترة الاستعمار). لقد انطلقت المحاكمة من نهاية السنة لتستمر إلى يوم 14 مارس، حيث صدرت أحكام تضمنت أحد عشر حكما بالإعدام منها ثمانية غيابيا في حق المهدي بن بركة و شيخ العرب .. وثلاثة أحكام بالمؤبد في حق كل من البصري و مومن الديوري و عمر بن جلون.

في هذا الخضم كانت العمليات المسلحة التي قامت بها مجموعة شيخ العرب والتي انتهت بمقتله في السابع من شهر غشت من نفس السنة. يقول الحلاوي عن شيخ العرب:”لقد كان شيخ العرب يتابع، من موقعه في جيش التحرير، كل هذه المناورات التصفوية لكل ما هو وطني، تحضيرا لضياع التراب الوطني وتمكين الاستعمار ثانية من ثروات البلاد بطرق مباشرة و غير مباشرة. ومن هنا اء تحركه في إطار عمل سيصبح معروفا فيما بعد بقضية بن حمو الفاخري الذي تم إعدامه سنة 1959 وكان نصيب الشيخ فيها هو الآخر “الإعدام”غيابيا. وهو التحرك الذي تواصل فيما بعد من موقعه كواحد من أهم القيادات الشعبية التي تحملت مسؤوليتها كاملة في تجسيد ما بلوره الحزب و قيادته عقب الانقلاب على الحكومة الوطنية في مايو 1960، من برامج نضالية تم تكثيفها حينها في شعار “التغيير الجذري” الذي لم يكن هناك مسؤول حزبي لم يلق بشأنه محاضرة أو عرضا أو يؤطر به تجمعا أو يكتب حوله منشورا عبر كافة التراب الوطني.. والكل يتذكر – إلا من لم يعد من مصلحتهم التذكر- ما جرى من إضرابات سنة 1961 وخلال معركة”الدستور الممنوح، فالزبالة مليوح” كما كان جوب الحزب وقتها(1962) وكذا ما كان من نقاش خلال المؤتمر الثاني للحزب في نفس السنة ووثيقة “الاختيار الثوري” و الأخطاء الثلاثة للشهيد المهدي في نفس السنة ومعركة الانتخابات و شراسة المواجهة فيها وكذا المحامكة الشهيرة.

إن هذه الأحداث كلها سلسلة مترابطة الحلقات و هي التي أعطت عددا من المواقف و المبادرات، ومنها تجربة شيخ العرب التي كانت امتداداً في الزمان و تجسيداً للطرح الحزبي في تلك المرحلة، مرحلة “التغيير الجذري” كردّ فعل ضد انقلاب ماي 1960 على المشروع الوطني لحكومة عبد الله إبراهيم.”

ومرورا بأحداث مارس 1965 ومحاكمات مراكش 1970، سيظل الطابع الميز لحقبة الستينات هو الإنكار التام و المطلق لكل حق في المعارضة وتوالي مسلسل الرعب و القمع. هذا إضافة للعديد من المناورات في خلق أحزاب إدارية ترتكز على شراء الضمائر وتسخير الأجهزة الإدارية.

ومنذ هذا التاريخ ستتوالى المناورات وا لاستفزازات و الاعتقالات و المتابعات ضد كل من يشتبه في معارضته للقصر.. هذه السياسة التي أصبحت الوجه الأوحد للعملة الأوفقيرية بعد توليه لمنصب وزارة الداخلية في شهر غشت 1964 مع احتفاظه برئاسة الإدارة العامة للأمن الوطني.”كان أوفقير يريد بكل بساطة القضاء على الحزب الذي يجعل المواطنين يتمردون على المخزن حسب قوله. والتمرد في عرفهم هو أن لا يطأطأ المغاربة الرأس للحاكمين”1963 (ص 14).

ومرورا بانتفاضة مارس 1965، والتي قوبلت بحملة القمع الشرسة بإشراف أوفقير بنفسه، واغتيال المهدي بن بركة في شهر أكتوبر من نفس السنة ( وقد صدر في حقه حكم بالمؤبد من طرف محكمة “لاسين” الفرنسية.) ومحاكمات مراكش 1970، سيظل الطابع القمعي هو الجواب الوحيد على المعارضة من خلال المناورة واختلاق الصراعات لضرب كل أشكال المعارضة حتى قبل أن يشتد عودها ،إلى أن جاءت أحداث مارس1973.

الخلفياتالنظريةلحركة1973

تزخر الأدبيات السياسية، بتحاليل مختلفة لمقولتي العنف و العنف المضاد، منذ أن فرضت الثورة الفرنسية معالجة مفهوم العنف ضمن المفهوم العام لمشروعيته كخيار وحيد من أجل إحداث القطيعة الجذرية مع الماضي على اعتبار أن التغيير لا يمكن أن يأتي تلقائيا، بل بقوة التغيير التي تستلزم اللجوء إلى العنف لفرض الأفكار الجديدة، وأيضا منذ أن أصبح للدولة الحديثة منطقها الخاص في تبرير اللجوء للعنف لتبرير دورها في الحفاظ على الأمن و الاستقرار كلما أحست بخطر يتهدد كيانها و مشروعيتها.

غير أن مضامين هذه المفاهيم تأخذ أبعاداً إنسانية خطيرة حين تلجأ دولة استبدادية لسلوك عنف منهجي وقاهر متصاعد بشكل متواتر مع تفاقم أزمة مشروعيتها في وجه مجتمع محروم من كل الوسائل و القنوات التي يمكن أن يعبر بها عن احتجاجه ويؤكد على مطالبه وحقوقه التي يرى فيها مشروعية أكبر من تلك التي للدولة باعتبارها وجدت لخدمة الشعب. خصوصا حين تكون هذه الحقوق و المطالب مُداسة من طرف الدولة نفسها. إن من شأن الحالة أن تولِّد الاقتناع لدى بعض المواطنين بالاضطرار للجوء للعنف المضاد كوسيلة وحيدة لانتزاع حقه المشروع أو التعبير عن سخطه على الوضع الذي أفرزه توجه النظام السائد.

تنذر الأفكار العامة و الملامسات النظرية لمفهوم العنف الثوري لدى جل معتنقي هذا التوجه والمرتبطين بأحداث مارس 1973، بالنظر لبرنامجهم ومشروعهم، وإن نهلوا من معين تجارب العنف الثوري التي عاشتها بعض شعوب أمريكية اللاثينية والهند الصينية، وإن كانت في ملامحها العامة وفي نهجها الذي سلكته، أقرب في الواقع، إلى التجربة الكوبية التي لا تؤمن بالانقلاب و لا بالعمل الجماهيري بقدر ما تُؤثِر خلق بؤر ثورية “مغلقة و مشكَّلة من مجموعة من الثوريين المحترفين، قادرين على تحفيز و إشعال فتيل الحرب دون انتظار وعي الجماهير. وهي ما يسمى بنظرية الفوكو foco التي من خصائصها الأساية أنه”عوض مناقشة الشروط الموضوعية أو الذاتية للنضال المسلح، يتعلق الأمر بالانطلاق في النضال المسلح على أمل أن يشكل ذلك نقطة الزيت التي ستحدث الشرارة.”

ومن خلال الشذرات التي تكلم فيها الفقيه البصري (سيغادر المغرب في غشت من سنة 1966 ليعود بعد ثلاثين سنة من المنفى ومن المعارضة في الخارج) عن أحداث 3 مارس، سيظهر هذا النزوع حين يقول :” إن الناس الذين دخلوا إلى المغرب، دخلوا على أساس بناء مواقع ثورية داخل البلاد. ولم يدخلوا على أساس أن يفجروا الوضع آنذاك، أو ينجزوا ثورة داخل البلاد على عجلة من أمرها. وأيضا على أساس اقتناعهم بأن الجزائر لا يمكن أن نخلق منها ثورة. خصوصا وأنها كانت تخاف من ثورة في المغرب، وضايقتنا الجزائر كمناضلين و لم تُتِح لنا أية وضعية إقامة واضحة. فالأفضل أن ندخل إلى بلادنا فنبني مواقع، ونعطي لشعبنا الثقة ونخلق التحاما معه، ونؤهله ونقوي العلائق معه إلى أن يصبح مستعدا و قادرا على التضحية و يلتف حول “البؤر الثورية” في تلك الفترة”.

وإن كانت الأمور أكبر من أن يتم اختزالها في هذا الاتجاه فقط، فهذا الحلم كانت تشترك فيه مجموعة من مناضلي الاتحاد الوطني في داخل المغرب، والتي ظلت، على الرغم من تواجدها داخل إطار سياسي يعمل في الشرعية، تؤمن بضرورة العنف الثوري كجواب على مواقف النظام. من بين هؤلاء محمد القاسمي الذي كان مسؤول حزب القوات الشعبية خلال السبعينات بمدينة خنيفرة ونواحيها، والذي تعرض لتعذيب فَضِيع في المخافر السرية، فقد على إثره عينيه وتم إتلاف جهازه التناسلي واقتلاع إحدى خصيتيه، حيث يقول : “كنا ننسج الخلايا الثورية، فقد خلقنا ثمانية خلايا في خنيفرة وحدها، كنا نبدأ بخمسة عناصر ولما نصل إلى ثمانية ننتقل إلى خلية ثانية. وقد خلقنا هذه الخلايا عبر كل الحِرَف المتواجدة بالمدينة..وحين تمت الاعتقالات و تم التحقيق معنا في تلك الخلايا قلنا بأنها “خلايا حزبية” لقد بدأت الاستعدادات منذ سنة 1969 حين كان أومَدَّة يقوم برحلات بين المغرب و الجزائر و يحاول إقناع مجموعة من المواطنين بخنيفرة و الحاجب و ومريرت بالانضمام إلى مشروع الثورة “

ويحكي محمد أمزيان أحد الذين برأتهم المحكمة العسكرية واختُطِفوا لتُعاد محاكمتهم، بعد أسرٍ دام ثلاث سنوات، ولتتم تبرئتهم من جديد:”في 1969 دخل كومندو صغير من الخارج وأتوا بالسلاح وتم ذلك بمساعدة مغاربة من بينهم موحى أو الحاج وكان من بينهم اللوزي و عبد الله النمري ومحمد الخليفة، الذين قضوا عندنا في المنزل، (كنا آنذاك نسكن في الجبوج بالغابة على بعد 50 كيلومترا من مدينة خنيفرة وكانت وسيلة النقل هي البغال ) مدة سنتين ينامون بالنهار و يخرجون بالليل للقيام بتدريب الناس على مناولة السلاح) وأومدة كان من الأولين الذي حاول نسج العلاقات الأولى منذ سنة 1968. وقد كان كل من الحسين إيخيش و آيت زايد الحسين و الناصري يشكلون حلقة الوصل الرابطة بين أصحاب الداخل و الخارج. وكان هذا الأخير يشكل في نفس الوقت حلقة الوصل مع البيضاء التي من خلالها كان دائم السفر للخارج، حتى أنه كان يسافر أسبوعيا ذهابا و إيابا من أجل التنسيق مع المركز المتواجد خارج حدود المغرب. و بهذا كان أول من استرعى انتباه السلطات لتتبع خطواته إلى أن اعتقلته. وبعدها أتى آيت زايد الحسين ليخبرنا باعتقال الناصري ( وكان ذلك حوالي شهر جوان 1972 ) ويطلب منا تنبيه الأخرين. واستطاع الناصري بقدرته على تضليل البوليس بأن يأتي بهم إلى منزل لا يعرفه و يقول لهم بأنه هو المنزل الذي كان يأوي إليه. حتى يترك الوقت لأصدقائه من أجل ترتيب أوضاعهم. وبعد مدة من صموده، انهار وقاد البوليس إلى منزل علي أمزيان الذي استطاع الهرب والالتجاء بسلاحه للجبل واعتقلوني مكانه. في هذا الوقت كان كل أعضاء الكومندو الصغير، رفقة بعض المواطنين الخنيفريين الذين انكشف أمرهم. قد التحقوا بالجبل بناحية أجدير و بقوا هناك في انتظار الأوامر و كان بعضهم ينزل من حين لآخر للبحث عن المؤونة و الإتيان بالأخبار عن التطورات الطارئة.

استمرت الأمور هكذا إلى أن دخل كومندو مكون من 17 شخص ذهب منهم البعض إلى أملاكو ومنهم من بقي في كولميمة وستة منهم أتوا إلى خنيفرة، حيث ذهبت مجموعة مكونة من أحمد بويقبة ومحمد بويقبة و موحى أو الحاج و وموحى أو علي و أومدة للإتيان بهم. عندما وصل الكوماندو إلى خنيفرة بات ليلتَه الأولى عند موحى أو الحاج و بعد ذلك التحقوا بمنزل أومدة في أمالو وقعدوا هناك لمدة خمسة أيام وبعدها ذهب الجميع إلى منزل أرسلي حيث مكثوا عنده لمدة شهرين. تجب الإشارة إلى أن دور الكومندو كان ينحصر في عملية التكوين في مجال استعمال السلاح وتقنيات حرب العصابات، في حين كان دور بعض المواطنين يتجلى في دور حث المواطنين على تنظيم أنفسهم ضمن خلايا ثورية تشكل القاعدة الأوسع للانتفاضة عند انطلاقها. كانت الاستعدادت تتم إذن على مستويين: تعبئة المواطنين داخل خلايا سرية تعمل تحت غطاء الأنشطة الحزبية وتدريب على استعمال السلاح”.

في محاولته لتفسير فشل هذه التجربة، يقول القاسمي في شهادته :” فلو لم يكن التسرع من طرف بعض الأشخاص، ولو استمر عمل نسج و تكوين الخلايا لمدة سنة إضافية لكانت النتائج إيجابية. فمن نتائج التسرع أيضا أن مدينة الحاجب و منسقها محارش الذي كان مكلفا بالاتصال من أجل أخذ التعليمات ظلوا منقطعين عن الأحداث، وبالأساس، عن مركز التعليمات على المستوى الوطني الذي كان بملاكو حيث يوجد بنونة، وحين رحل بنونة في 02 مارس تعرض كل شيء للفشل.”

عن الأحداث التي وقعت في خنيفرة يحكي القاسمي :” في خنيفرة تم تفجير قنبلتين في إحداها في بوزياد وقد وضعها الحاج أرسلي، و الثانية في مكوش، وقد وضعها المسعودي لحسن و الثالثة لم تنفجر وضعت بالكوميسارية الصغيرة وكانت ستوضع قنبلة رابعة في محطة البنزين التي في ملك عسو باعدي و لكن موحا أو الحاج رفض ذلك..أما في مولاي بوعزة فقد كان الثوار متفقين مع شاوش اسمه المذكوري على أن يفتح لهم المخزن لكي يستولوا على السلاح الموجود به. و لكون أحد الثوار اضطرب لما رأى حارسا مسلحا فأفرغ فيه سلاحه الكلاشنكوف وبهذا بدأ الارتباك وانسحب كل المسلحين إلى الجبل.”

خنيـفـــرة

مدينة صغيرة تقع على الضفة اليمنى لنهر أم الربيع و توجد على ارتفاع 830 م .كانت ” عبارة عن مدشر لقبيلة من زيان تدعى آيت بوحدو وبدأت عمارتها نحو 1877 بالجيوش التي وجه السلطان المولى الحسن لإعانة القائد الشهير موحى أوحمو الزياني لإرضاخ سكان الجبل المتمردين من آيت سخمان و إشقرن .(بلدة خ.ص7.8)

تقع خنيفرة في سفح أربعة جبال تحيطها في شكل مربع شرقه بامتداد جبل أقلال وغربه جبل أبو موسى، شماله جبل أبو حياتي و جنوبه جبل الحيد أوبوزال كما تنطق محليا.

يخترق مدينة خنيفرة نهر أم الربيع ( ب.خ.ص 15) وتعد خنيفرة ” الحد الوسط بين الأراضي الجبلية عند زيان و الأراضي الأزغارية أو الحد الفاصل لرحلتهم الشتائية و الصيفية، فمن خنيفرة قبلة الأراضي الجبلية و هي منتجعاتهم الصيفية. ومن خنيفرة غروبا الأراضي الأزغارية وهي منتجعاتهم الشتائية.”ص 19.وتعرف نواحي خنيفرة بغابات الأرز و” هذا الأرز كانت له قيمته أيام عمارة خنيفرة الأولى،ص25.

وكانت طبيعة الأرض غنية بقمحها الرطب وشعيرها وذرتها، بحيث كانت تنتج مرتين في السنة وبالإضافة إلى كونها سقوية، كانت كسبية تصلح بها الماشية و الأنعام و البهائم مما ساعد على ثرائهم و كانت أغنامهم من أفضل الأغنام المغربية .ص 27.28.

إشارة إلى كون أراضي أزغار أوسع من أراضي الجبل وبعد دخول الفرنسيين إلى مدين خنيفرة حاولا في إطار الضغط السيطرة على هذه الأزغار و حرمان قبائل زيان من هذه الأراضي للضغط عليهم لكي يستسلموا. وهذا أدى إلى إضعافهم.

ملاحق الكتاب

1.سلسلة البيانت الرسمية بخصوص أحداث مارس 1973

2.لائحة المحكومين بالإعدام بعلاقة مع الأحداث

البلاغالأول

سابع مارس 1973

“منذ بضعة أيام قامت مجموعة من المخربين،يقدرون حسب أولى عناصر التحقيق،بثلاثة أفراد، بالتسرب من ناحية مكناس إلى مركز مولاي بوعزة الذي كان محروسا من طرف فردين من المخازنية.

وقد فتح أحدهما الباب الرئيسي للتعرف على من يحوم حول المركز فكان مصيره القتل بواسطة الرصاص في حين استطاع صديقه إعلام السلطات المعنية،

في نفس الوقت تم التبليغ عن مجموعة مسلحة مكونة من ثلاثة أفراد في منطقة كولميمة،

وبفضل الحس الثابت المواطنين والتدخل السريع و الفعال للقوات المسلحة الملكية وللقوات المساعدة والدرك الملكي، تم القضاء على المجرمين،وسوف يلقون أشد العقاب،

و يظهر من أولى عناصر التحقيق،أن الأمر يتعلق بمخطط معد انطلاقا،و بدعم من ليبيا،و لا أهداف له سوى إعطاء صورة خاطئة عن المغرب على أنه بلد تعمه الفوضى،

والشعب المغربي سيعرف كيف يضع حدا لكل هذا بالاعتماد على طاقاته الحية،

فالشعب المغربي غيور على كرامته، ولن يسمح لمجموعة من الخونة،محركة من الخارج،بأن تلطخ سمعة تاريخه

المجيد.”

البلاغالثاني

11 مارس 1973

بعد العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية و القوات المساعد و رجال الدرك،أعلن المتمردون الذي اعتقلوا و تم استنطاقهم،أن المجموعة التي تخطت الحدود آتية من الخارج،كانت تحت توجيه المدعو بنونة محمد والملقب بمحمود.هذا الأخير قتل في الاصطدام الذي انتهى بوضع حد لمحاولات هذه المجموعة،

وبحسب هؤلاء المعتقلين دائما فهناك عناصر آخرون سيلتحقون بهم من نفس الوجهة.ونحن نعلم حاليا أماكن مرورهم ولائحة شركائهم وكذلك أهدافهم،

هذا وقد أوضح المعتقلون بأن المسلحة،والعناصر المدربة من طرف ليبيا،كانت مكلفة بخلق حالة من التوتر النفسي و من الهلع في عدد من مناطق المغرب،وذلك بمهاجمة مراكز معزولة،وجعل سكان هذه المناطق يعيشون في حالة من الفوضى و انعدام الأمن.وجاء في اعترافات المعتقلين أن المنظمة اتي التجأت إلى الخارج،لها رؤساء في الداخل وصرحوا بلائحة أسمائهم.وهكذا،ومنذ يوم الجمعة،اعتقلت قوات الأمن عددا منهم من بينهم عمر بنجلون.ولا زال البحث جاريا.”

البلاغالثالث

“خلال عملية التمشيط التي تمت في المناطق المعنية بالأمر،تم القضاء على مجموعة من المخربين،كما جرح آخرون من طرف مجموعات التدخل التي كانت تعمل بمساعدة السكان،

من بين المقتولين يوحد : بنونة محمد المعروف بمحمود،سليمان،الملقب بسالم، آيت زايد العربي.

وكل الذين اعتقلوا يخضعون حاليا للبحث.ويوجد من بين هؤلاء : عبدالله محمد بن مرزوق، الملقب زايد الحسين، أمهاوش موحا أولحاج أوبا،باسو باعدي، أوطاحدوت، الإخوان الحاج بن عبا بن حماد، رزقون محمد الملقب باسيدي،حدوثي أحمد بن عبد السلام ، مازوز عبدالله، سهيل إدريس،راشيدي محمد.

في حين يوجد مجرمون آخرون في حالة فرار ويتم البحث عنهم بكثافة،يوجد من بينهم :مرابطين ابراهيم،الملقب بإبراهيم التزنيتي، الملقب بالفقيه، الملقب بعبد الله النمري، الملقب بالقادري عبد الرحمان، أومدة محمد،الملقب بالخطابي.

وحجزت خلال هذه العمليات أسلحة خصوصا منها مسدسات رشاشة وكوكتيل مولوتوف وأجهزة تالكي والكي، متفجرات، و ملابس عسكرية من أصل أجنبي.

ويذكر أن لهؤلاء المجرمين شركاء بداخل المملكة اعتقلوا بدورهم .وكانوا يملكون إمكانيات مالية لا تتناسب مع أوضاعهم المادية الخاصة،كما اعترفوا بأنهم حصلوا على السلاح والمواد والأموال من ليبيا.

هذه النتائج الأولى كانت حصيلة التعبئة التلقائية للفئات المدنية للمناطق المعنية،وتعاونهم مع سلطات الأمن.

ولا زال التحقيق جاريا،وسيتم إطلاع الرأي العام على باقي التطورات في حينها .”

البلاغالرابع

” أعلنت بعض الصحف عن وقوع عدة اعتقالات قامت بها الشرطة القضائية.

ووزارة الداخلية لقادرة على أن تؤكد أن هؤلاء الأشخاص اعتقلوا عقب التحقيق الأولي الذي فتح على إثر الأحداث التي وقعت بالمغرب خلال الأسابيع الأخيرة.ولقد تمت الاعتقالات بعد تصريحات قام بها الأشخاص المعتقلون في حالة تلبس و الذين أدلوا باعترافات مفصلة.ولازال البحث مستمرا.”

البلاغالخامس

وتحت عنوان عريض “الهدوء التام يعم مولاي بوعزة و كولميمة” ستنشر جريدة لوماتان آخر بلاغ في هذه السلسلة يعلن أنه :” بهاجس إطلاع مواطنينا على نتائج عمليات البحث الجارية من أجل وضع حد للنشاطات الإجرامية لبعض العناصر المخربة التي حاولت مؤخرا زرع الفوضى و تهديد أمن المواطنين، فإن وزارة الداخلية تبلغ :

“بأن الهدوء التام أصبح يسود مناطق مولاي بوعزة وكولميمة وتم تفكيك المجموعات المسلحة التي حاولت التمركز بها،

كما أسفر استنطاق الأشخاص المعتقلين عن اكتشاف منظمة مخربة خطيرة استطاعت أن تنتشر عبر عدة مدن مغربية.،

وأسفرت التحريات الجارية عن اعتقال عدة مجرمين يوجد من بينهم محامون،حيث مكن الاستماع إلى هؤلاء، و خصوصا المسمى بلقاضي،من اعتقال المسمى عمر دهكون،الذي يعتبر هو المسؤول عن خلايا الرباط و البيضاء،والذي سبق أن حكم غيابيا بعشرين سنة سجنا خلال محاكمة مراكش .

المسمى دهكون اعترف بدلوه بكل شركائه وهم رهن الاعتقال أو بصدد البحث عن الفارين منهم.

وكشف من جهة أخرى عن الأماكن التي تم بها إخفاء الأسلحة و المعدات و المتفجرات.

وهكذا حجزت المصالح المكلفة بالبحث، بكل من البيضاء و الرباط و وجدة، مسدسات رشاشة وكمية هامة من الذخيرة و المتفجرات والمواد النارية.

بفضل هذه الاعتقالات تم إلقاء الضوء على مجموعة من الأفعال الإجرامية وتم التعرف على مرتكبيها والذين يوجد من بينهم المسمى بوطرقة مبارك.محامي متمرن بالرباط.

كل المحامين الذين اعتقلوا ينتمون للاتحاد الوطني للقوات الشعبية،ما يسمى بـ”جناح الرباط”.

وفي المستوى الذي لا زال عليه التحقيق حاليا لا يمكن معه إعطاء كل التفاصيل دون المجازفة بإعاقة استمرار عملية التطهير الجارية”

لائحةالمحكومعليهمبالإعدامفيمحاكمةالقنيطرة

التي أعقبت أحداث مارس 1973

1.عمر دهكمون

2.أمحزون موحى الحاج

3.محمد بلحسين الملقب بهوشي منه.

4.عبد الله بن محمد

5.أيت عمي لحسن

6.موحا نيات بري

7.أيت زايد لحسن

8.حديدو كوح

9.عبد الله بن محمد

10.يوس مصطفى

11.بيهي عبدالله الملقب بغريكس

12.بارو مبارك بوشاكوك

13.دحمان لغريس (عدي نايت غريس)

14.محمد حسن الإدريسي

15.تغجيت لحسن

16.عبد الله المالكي(وهو الوحيد الذي أفلت من تنفيذ الحكم)

وقد نفذ الحكم بالإعدام في الأول من شهر نونبر 1973.بالسجن المركزي بالقنيطرة.

تحميل المقالة بصيغة pdf

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *